من تأليف تغريد الداود وشهدت عودة مستحقة لناصر الدوب
"مطلوب مهرجين" نزعت الاقنعة وكشفت المستور
هذا الفضاء الرحب على اتساع مساحته طولا وعرضا لا يمكنه اخفاء اللصوص والنصابين وكل من تكون لديه السلطة على من لا حيلة له ،تجد هناك من يساوم وهناك من يقاتل،هناك من يتألم وهناك من يضحك ،قلوب أدماها التعب ونفوس اضناها التفكير ،الكل يبحث عن ذاته امام من انتزعها منه قسرا ، حيوات لا تتشابه مع بعضها بعضا ، ربما نعيش فيها "مهرجين" وربما نحن في الحقيقة "مهرجين" وجوهنا ملطخة بمساحيق مزيفة والوانا مزركشة، نبدو للاخرين بأننا في حال مبهجة ونحن من الداخل مكسورين، تغريد الداود الكاتبة والمؤلفة الحائزة على جائزة افضل مؤلفة في مهرجان الشارقة المسرحي جنحت بنا بعيدا عن مرسى خشبة مسرح الدسمة ، قادتنا نحو عالم من الالم والصراخ والكتمان وايضا الضحك ،كم واحد منا ربما اكتشف بداخله "مهرجا" وعادة المهرجون يظهرون ما لا يبطنون ،من المهام التي تقع على عاتق المهرج هي اضحاك الآخر "غصب طيب " عليك اضحاك الآخر ،وفعلا تمكن "المهرجون" في العرض المسرحي "مطلوب مهرجين" من فرض سطوتهم وأجادوا حرفتهم ونجحوا في استقطاب حضور مهرجان الكويت المسرحي الحادي والعشرين بتوقيع من مخرج واحد ابطال العمل عيسى الحمر الذي يحسب له اعادة تفعيل واحد من اهم ابطال المهرجانات المسرحية ناصر الدوب ،هذا الممثل الشاب الذي اثبت من خلال عودته بأنه فعلا يستحق ان يكون "قائد السيرك" المتحكم المتسلط الجشع ايا كان فهو يستحق ان يكون في مقدمة من سيتنافسون على جائزة افضل ممثل دور اول .
شارك في مسرحية" مطلوب مهرجين" التي مثلت فرقة مسرح الخليج مجموعة من الممثلين الى جانب ناصر الدوب وعيسى الحمر هناك عبدالله البصيري ،خالد الثويني ،مصطفى محمود ، ،سعاد الحسيني،علي بولند،مساعد مخرج فهد العثمان ومخرج منفذ عبدالرحمن ايوب،ومساعد مخرج امير مطر،وديكور عيسى الحمر وتنفيذ الديكور محمد البعيجان وازياء شيخة الحمر وتنفيذ الازياء دلال الحساوي والمؤثرات الصوتية باسم نبيل وعبدالله الخالدي ونبيل الجوهر،
فريق عمل متجانس متناغم وسينوغرافيا بسيطة متواضعة اقرب الى عالم السيرك الذي يخفي وراء من يعمل فيه عشرات القصص ،قائد السيرك "ناصر الدوب" يمارس صلاحياته "راس" في البحث عن تسويق جديد يجني من ورائه مالا بعدما تراجع المردود المادي ،انت يا " قرد عليك ان تتحول الى حمار " وأنت يا كذا افعل كذا حيث لم تعد تنفع "كانت أوامره هذه تنزل كفرمان عسكري دفع كل مهرج لمكاشفة نفسه ومخاطبة ذاته بحقيقتها ،هذه المكاشفة جرتنا الى مساحات سقط فيها الايقاع خصوصا وانها مساحات حوارية صرفة ويبدو ان مخرج العمل واحد ابطاله كان مدركا لذلك فجعل بعض "الافيهات" تخرج على لسان المهرجين حتى تكسر رتابة الحوار خصوصا وان الممثلين لم يتمكنوا من الخروج خارج الصندوق لطبيعة السينوغرافيا التي اختارها المخرج بنفسه والتي ساهمت بشكل اة بآخر فرض تحركهم في امتار قليلة لكن كان استغلال المستوى الثاني بمثابة هروب للعين وفرص فرجة بصرية زينها حسن اختيار الازياء بألوانها المزركشة والتي اعتدنا رؤيتها على من يمتهن مهنة "المهرج".
من خلال نص"مطلوب مهرجين" التي نزعت الاقنعة وكشفت المستور حاولت الكاتبة تغريد الداود في بداية الفعل المسرحي تمرير الكثير من الرسائل من خلال الحوارات السردية لكل مهرج وهو يتحدث عن معاناته او سخطه على واقعه او "اللاحيلة" التي فرضها عليه الزمن ،لكن مع تسارع الاحداث واقترابها للنهاية تحولت "اللامباشرة " الى " مباشرة" في الطرح فجاءت نهاية المسرحية مكشوفة للجميع منعتنا من التأويل واختراع نهايات من عقولنا.
شخصيا اتحفظ على الممثل المخرج ،نعم يوجد ممثلين اثبتوا نجاحاتهم في الكثير من الاعمال المسرحية عندما تكفل بمهمتين الممثل والمخرج لكن هذه المسؤلية ربما تثقل كاهل احدهما ومن دون لا يشعر قد يفقد ادواته هنا او هناك ،المخرج عيسى الحمر فنان موهوب ومدرك تماما للنص الذي بين يديه ولم يبخس حق ممثليه لكن لو انه ظل مخرجا ادار كفة اللعبة من امام الخشبة ربما "كان صافي الذهن" لان بطبيعة الحال وخلال ادائه للمشهد يشوح بعينه تجاه غرفة الكنترول ينتظر مهندس الاضاء فاضل النصار للقيام بمهمته او ينتظر ان يسمع المؤثر الموسيقي ،لحظات قد لا تتجاوز أجزاء من الثانية يجد نفسه مجبورا على التفكير بها قد يشرد ذهنه لو لاحظات وبالتالي "وجهة نظري" بأن ليس كل ممثل يمكنه القيام بهذه المهمة المزدوجة علما بأن الحمر تمكن من فرض سيطرته وتحكمه بنص"مطلوب مهرجين"،من الملاحظات البسيطة كان الاداء الجيد لسعاد الحسيني كونها العنصر النسائي الوحيد المشارك في العرض ،سعاد ممثلة جيدة لديها امكانيات حلوة ،لديها القدرة على معايشة الشخصية وتجسيدها بصورة جميلة فوق الخشبة لكنها ايضا تحتاج ايضا للاشتغال على نفسها خصوصا عندما تتحدث مع ذاتها فهي هنا تكون خارج الصندوق وكأنها تؤدي مهمة تمثيلية في مونودراما .