في كتاب (أعراف البناء الشعري)
سعاد الصباح.. فتافيت امرأة .. اللون والإيقاع والشعر
سبعة بحوث نقدية في كتاب واحد. هذا ما طالعنا به الكتاب الجديد (أعراف البناء الشعري عند سعاد الصباح) الصادر أخيرًا في الكويت. وقد تخصصت هذه البحوث في مقاربة البنية الإيقاعية في ديوان (فتافيت امرأة)، وأشرف عليها وقدم لها أستاذ الأدب العربي الحديث ونقده د. حمد دوخي.
شارك في تقديم هذه الأبحاث كل من هدى عزيز، وأحمد شهيد، ووعد مساهر، ومنجد رمضان، وشيماء إياد، ورشيد أحمد مجيد، وسعد سرحت. وركزت هذه الأبحاث على الجانب الإيقاعي في التجربة الشعرية لسعاد الصباح في ديوانها (فتافيت امرأة)، وتنوعت لتشتمل على بحث إيقاع العنونة، و التكرار والإيقاع البصري، وإيقاع اللازمة، وإيقاع الحوار، وإيقاع اللون، وإيقاع السرد، وأخيرًا التدوير والإيقاع النفسي.
في توطئته للكتاب يكتب المشرف الدكتور حمد الدوخي عن شعرية البنية الإيقاعية في شعر سعاد الصباح، فيشير إلى أن الاشتغال على الفقرات الإيقاعية في ديوان (فتافيت امرأة) يرجع إلى أنه ديوان بُني في ضوء قدرات نظام التفعيلة على تمثيل تطلعات الشاعرة، لما يتمتع به هذا النظام من سعة في المجال البنائي وحرية في التنظيم.
وخلص الدوخي إلى أنه بهذا الاجتهاد الرصين في البناء الإيقاعي، والثقة في الانجاز، تؤكد لنا الشاعرة (سعاد الصباح) على نزوعها الفني الدائم والدائب تجاه الحداثة وتطلعات التمثيل الحضاري للتعبير الإنساني المتمثِّل بأعلى صوره الجمالية وهو الشعر لأنه سنام التعبير وغايته .. إنها تتطلَّع بكل هذه القوة التي توافرت لها من حرصها الخلاق بالمعنى الحقيقي، على انتمائها لتراثها وموروثها الإنساني _ الشعري.
في مقاربتها لإيقاع العنوان، رأت هدى عزيز ان الشاعرة تمكنت في قصيدتها (كويتية) من إيصال الفعل الشعري الذي تريد ايصاله للعالم الذي لا يعرف شيئا عن المرأة الكويتية من خلال إيقاع العنوان، وبمساعدة من ايقاع بصري مكنها من وصف وايصال فكرتها التي انتهت باختيارها الذي تريد التهنئة عليه. وحول عنوان قصيدة (شاي الساعة الخامسة)، ركزت على ترابط العلاقة بين العنوان والنص ومدى التفاعل الايقاعي بينهما، حيث تكرر العنوان اكثر من مرة داخل النص، إضافة إلى توظيف الشاعرة أسلوب الطباق من خلال ذكرها المتضادات التي هي "نعمتي ولعنتي وبسمتي ودمعتي" ... الخ
وعن إيقاع الحوار، يلاحظ الباحث منجد رمضان أن الحوار عمل على بلورة النصوص الشعرية لسعاد الصباح بصيغته المونولوجية، التي عملت على نقل الأفكار الداخلية للشاعرة، ونقد المجتمع الذكوري الذي يحرم المرأة من حقوقها، ودافعت عنها من خلال هذا الصوت الداخلي الذي يخرج الى الواقع بقوة مؤثرة في النفوس تدعو لتغيير الواقع ، كما انها رسمت لنا بعض محطات حياتها من خلال نصوصها الممتلئة حباً، وعملت من خلال الحوار الداخلي على إظهار جماليات الحب والحياة عبر هذه النوتات الايقاعية التي عملت عليها، والتي تضفي للنصوص رمزية متعمدة من خلال اللغة الايحائية التي استعملت الحوار بصورة عالية لتمرر افكارها التي تريد.
أما عن إيقاع اللون فترى شيماء أحمد أن اللون شكل حضورا فاعلا في شعر سعاد الصباح، وذلك من خلال تعدد أوجهه، حيث مثلت الطيف اللوني في أغلب قصائدها. وتشير إلى أن أهمية هذه الدراسة تنبع من كونها دراسة جديدة قد تجاوزت القراءة العادية ، ذلك أن الكشف عن تنوع حضور الألوان التي وردت في ديوان الشاعرة استند إلى قراءةٍ كاشفةٍ عن البعد الجمالي الذي شكله اللون مما زاد في إثراء النص دلالياً ومعنوياً.
بدوره، بحث سعد سرحت في التدوير والإيقاع النفسي في ديوان (فتافيت امرأة)، لافتًا إلى أن الشاعرة كشفت على صعيد التشكيل الكتابي عن رؤيتها الأدبية ووعيها بموقعها, عبر تسخير فاعليةَ التدويرِ في الفضاء النصيّ ,وذلك حين تشفع السطور المدوّرة بمظاهر التلقي البصريِ. أما على صعيد التشكيل الشفوي, فقد استعانت الشاعرة بجملة من التقنيات الشفوية، التي تضفي على التدوير حيوية, كالتوازي والتكرار والتقفية والى غير ذلك, وهي بذلك تستعين بالصوت القديم وقيمه الفنية, لإثراء منجزها من جهة, ولتأكيد صلتها بالتراث من جهة ثانية.
رحلة ممتعة في البنية الإيقاعية في ديوان (فتافيت امرأة)، يطلعنا فيها هذا الكتاب على معالم مدهشة من صور وأشكال الإيقاعات، وكل ذلك في زمن يستغرق مئتين وخمسة وعشرون صفحة من الحجم المتوسط.