اعتبر سعادة سفير دولة الكويت السابق جمال مبارك النصافي اختيار هيئة الأمم المتحدة لدولة الكويت مركزا للعمل الإنساني وتسمية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائدا للإنسانية فخرا لكافة الشعوب الإسلامية والعربية وانه لقب مستحق لسمو الأمير الذي جبل على دعم وتشجيع العمل الإنساني والخيري واعطاء الأولوية في مساعدة المنكوبين ومد يد العون للمحتاجين ، كما عدد النصافي في حواره الخاص مع “الدانة “ الكثير من الصفات والخصال والمواقف التي دفعت أعلى منظمة دولية في منح حاكم الكويت هذا اللقب، وفي المقابل يتسم السفير السابق “ أبو مبارك” بصفات إنسانية اكتسبها من واقع الحياة واشتغاله في السيلك الدوبلوماسي لأكثر من 20 عاماً، يرى في عائلته كل شيء وحرص على أن يتوقعوا العودة إلى الكويت يوماً، ما لهذا لم يكن غريباً بأنهم تكيفوا سريعاً مع الحياة في الكويت، في الحوار المزيد من التفاصيل والتشويق..
دعنا نبدأ سعادة السفير من اختيار هيئة الأمم المتحدة لدولة الكويت مركزاً للعمل الإنساني وتسمية صاحب السمو «قائد انساني» ؟
تكمن قيمة هذا التكريم في صالح الكويت التي تسعى دوماً للتميز من خلال بذل الجهود في لعب الدور الإنساني، وأن تكون السباقة في تقديم المساعدات للدول والشعوب المنكوبة، وأعتقد عندما يتم هذا التكريم في عهد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يعتبر تقديراً لسموه الذي بذل عشرات السنين وهو يعمل دون كلل في خدمة الإنسانية. الكويت بلد صغير مسالم ومن ثوابته في السياسة الخارجية هي لعب هذا الدور الإنساني، عندما يأتي هذا التقدير من أرفع منظمة دولية لرجل عرف بمواقفه الإنسانية يعتبر إنجازاً يحسب للكويت. ولنا أن نفخر ونزهو في ظل ما تشهده المنطقة من توتر.
كيف ترى المرحلة المقبلة لنا كشعب كويتي؟
عندما ارتفعت راية الكويت مركزاً للعمل الإنساني صار لزاماً علينا المحافظة والاستمرارية في الإبقاء على الراية مرتفعة، والريادة ستظل لنا شامخة بتوجيهات سمو الأمير كما تنتظرنا مرحلة أخرى في تجاوز التعقيدات الداخلية وأن نسمو بخلافاتنا وننسج سياسة خارجية تعمل في تعزيز ثوابتنا الإنسانية، واذا ما نزال نسعى لتكون الكويت مركزاً مالياً واقتصادياً اليوم أمامنا فرصة كبيرة ومواتية لأن تصبح الكويت مركزاً إنسانياً يضم المنظمات الإنسانية والحقوقية وأن تكون هي المركز لها.
في اعتقادك ما هي الأسباب التي دفعت هيئة الأمم المتحدة لمنح الكويت هذا التكريم؟
أعتقد بأن دولة الكويت إلى جانب دورها الكبير في دعم القضايا الإنسانية استطاعت خلال فترة قصيرة وفي وقت عجزت فيه كبيريات الدول استضافة الكويت مجموعة من القمم الإقتصادية وتبرعت بمبالغ ضخمة واحتضنت الشعوب والمسؤولين وترأست مبادراتها الإنسانية والمادية المشهد العالمي. وكما قال رئيس هيئة الأمم المتحدة في خطابه : « أقل ما يجب أن نقدمه هو شكر لهذه الدولة وتقدير لسمو الأمير».
كونك عاصرت سمو الأمير عندما كان وزيراً للخارجية ... هل تعرفنا عن تجربتك الشخصية؟
بلا شك يتمتع سمو الأمير بجانب إنساني قلما تجده في قادة العالم العربي، سموه لديه سعة صدر وصبر كبيرين، مستمتع جيد، ويحاول دوماً أن يكون الحكم تجاه الكثير من الأمور، ومن خلال تجربتي الشخصية وجدته إنساناً بكل ما تعني هذه الكلمة من تواضع، سموه يحب الإنسان الواضح أمامه ولا يحب المتعجرف، دوبلوماسي بالفطرة بذل عشرات السنين في العمل الدوبلوماسي حتى أصبح عميداً لها ، كان مدرسة في الديبلوماسية تتلمذنا فيها وقطفنا ثمار تجاربه، سموه لم يكن فقط وزيراً للخارجية بل كان حاكماً حقيقياً يضع بلده نصب عينيه، كان يعرفك من خلال تصرفاتك وأفكارك وأخلاقك وحتى هندامك يعرفك قبل أن تعرفه، يكافئ المصيب ويعفو عن المخطئ، وسموه يحب الدعابة والعفوية مع أبنائه، جمعتني بسموه الكثير من المواقف خاصة في بداية حياتي الديبلوماسية، وأتذكر في القمة الخامسة للمؤتمر الإسلامي في 1986، وكنت في بداية العشرينيات وأرتدي الزي الوطني والبشت وتفاجأت بسموه يتوجه نحوي ويناديني بالإسم وسط حالة من التردد والترقب أصابت زملائي الديبلوماسيين الذين ذهبت أفكارهم بعيداً بسبب حركتي الدؤوبة ذهاباً وإياباً وربما أكون قد ارتكبت أمراً خطيراً ، لكن فوجئت بسموه يسألني عن عمري حيث أن سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد سأل عني فكان موقفا طريفاً من الأحاديث الجانبية على هامش المؤتمر. وأتذكر عندما كنت ديبلوماسياً كانت أبواب وزارة الخارجية بقيادته مفتوحة أمامنا على تواصل مستمر معه.
دعنا نأخذ الجانب الأسري لسعادة السفير جمال النصافي وكيف وجدت أسرته الغربة خلال عملك الديبلوماسي؟
على صعيد الأسرة لم نشعر بالغربة كوننا أسرة واحدة مع أطفالنا، والدولة وفرت لنا كافة الإحتياجات التي تليق بمكانتي الديبلوماسية، فلم نواجه أي مشكلات أو معوقات بل كانت حياة سعيدة ورائعة بكل تفاصيلها، لكن الغربة والإشتياق كانا بسبب مفارقتي لوالداي وأنا وحيدهما، وأيضاً عندما توفي والدي اضطررت إلى تأجيل الدفن 24 ساعة كوني ولده الوحيد، وعلى الرغم من مرور ما يقارب20 عاما على وفاته ما زلت أشعر بالذنب لتأخير الدفن. وأدعو الله أن يسامحني. حالياً لو سنحت لي الفرصة للعمل في الخارج أرفض وبشدة بسبب أن والدتي وشقيقتي أصبحتا في كنفي.
“أبو مبارك” من يرفض منصباً ديبلوماسياً؟
صدقني أعتبر نفسي من جيل المحاربين، وأرفض بشدة أن أترأس منصباً دون قضية ، فخلال عملي كنا منشغلين بالحرب العراقية الإيرانية وبعدها الغزو العراقي ومن ثم ترسيم الحدود مع العراق والسعودية وجاءت حرب العراق في 2003 وسقوط صدام حسين، لقد كانت فترة عمل متواصل ودؤوب، في تلك الأوضاع راودني تفكير جدي بضرورة التعاطي مع مرحلة حرجة وأن تكون الكويت مركزاً لحقوق الإنسان والديموقراطية ومركزاً للحريات والاقتصاد والقضاء على الصراع الطائفي، دوراً أكثر فاعلية في المجتمع الدولي، هذه الجوانب كان يجب أن نعمل عليها منذ 2004. ووجدت أن الوقت حان ليأتي جندي آخر يقود المهمة.
حدثنا عن أسرتك..
لي من الأولاد ثلاثة بنات وولدي الوحيد مبارك والمفارقة الطريفة بأني وحيد والدي مبارك، وهو وحيد جدي عبدالهادي الذي كان وحيداً لجدي المليفي، والحمدلله سعيد بأسرتي.
هل تقبل بأن يسلك مبارك الطريق التي سلكها والده ديبلوماسيا؟
عندما عدت إلى الكويت أصررت على أن يلتحق أولادي بالمدارس الحكومية حتى ينشأوا على البيئة الكويتية، نعم أهتم بالتربية والتعليم في المقام الأول ومن ثم الأمور الأخرى ...
هل ترى فيه شخصيتك... أو بمعنى آخر هل تريده أن يصبح نسخة منك؟
شخصية مبارك لن تكون خاضعة لي، دوري كأب يقتصر على غرس مفاهيم أصيلة في الدين وبر الوالدين والمواطنة الحقيقية والعصامية، وله أن يختار ويرسم مستقبله، وهو على النقيض تماماً من شخصيتي فقط امتداده لي في الجوانب الإنسانية.
لكن ألا تخشى أن تواجه والدته ما واجهته والدتك عندما تغربت عنها..
ربما أنا من أعيش هذه الغربة كونه ولدي الوحيد، ولا أخفيك أدعو الله أن لا أعيش نفس الموقف، علماً بأنني لن أقف حجر عثرة أمام طريقه.
هل شعرت بالعمل الديبلوماسي بالوجاهة الإجتماعية؟
بلا شك توجد وجاهة ومكانة رفيعة المستوى لكن يجب أن لا تطغى هذه الوجاهة على شخصيتك حتى لا تسلب ما هو أهم وهو التواصل الإجتماعي مع الآخر والخلق والإبداع، وهذا ما أهلت نفسي من أجله عندما انتهت مهمتي كسفير عدت مواطناً عادياً، أمارس حياتي العادية مع أسرتي والآخرين دون البحث عن وجاهة في غير محلها.
ماذا تقصد بالمواطن العادي وأنت...سعادة السفير!
لقد اعددت العدة للعودة يوما ما إلى الكويت، وأقسم بالله بأني كنت حريصاً على تهذيب نفسي وعدم التكبر بل التواضع وعيش الحياة بكل عفوية، أرفض كل ما يمكن أن يتسهل لي كديبلوماسي، رفضت قاعة التشريفات، وأجد نفسي رب أسرة ، أسافر مع أولادي مثلي مثل أي مواطن، التزم الدور، أحب الصيد